في اكتشاف فاق توقعات العلماء، أكّدت وكالة ناسا أن البشرية قد أنشأت عن غير قصد حاجزا في الفضاء، يُعيد تشكيل البيئة الإشعاعية حول كوكب الأرض، ويشير البحث الحديث إلى أن موجات الراديو البشرية، التي أُطلقت منذ عقود لأغراض اتصالات عسكرية وبحرية، قد تفاعلت مع جسيمات مشحونة عالية الطاقة، لتشكّل بنية مستقرة تشبه الفقاعة، تعمل كدرع غير مرئي حول الأرض.
وجاء هذا الاكتشاف من خلال تحليل بيانات مجسّات "فان آلن" التابعة لناسا، والتي راقبت أحزمة الإشعاع الأرضية بتفصيل غير مسبوق قبل إيقافها عن العمل في عام 2019.
وكشفت الملاحظات أن إشارات التردد المنخفض جدا (VLF)، المستخدمة أساسا في الاتصال بالغواصات، تسرّبت إلى الفضاء ودفعت الحافة الداخلية لأحزمة فان آلن بعيدا عن الأرض، مكوّنة حاجزا اصطناعيا يتطابق تقريبا مع الحدود الطبيعية للأحزمة، وفقا لما نشره موقع ديلي جالكسي.
قال فيل إريكسون، نائب مدير مرصد "هايستاك" التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "أظهرت التجارب والملاحظات أن إشارات الاتصالات الراديوية ضمن نطاق VLF يمكن أن تؤثر فعليا في خصائص الإشعاع عالي الطاقة المحيط بالأرض، في ظل ظروف معينة".
وأضاف أن هذه الفقاعة لم تُلاحظ في القياسات الأولى خلال ستينات القرن الماضي، ما يعكس صلة مباشرة بين نشاطات البثوث الراديوية البشرية والبنية الحالية للأحزمة الإشعاعية.
وتعمل هذه الفقاعة غير المرئية كدرع يحيد الجسيمات عالية الطاقة بعيدا عن الأرض، ما يغيّر طبيعة الإشعاع في المدار القريب من الكوكب، وعلى الرغم من تحفّظ العلماء عن وصفها بـ"حقل القوة"، فإن تأثيرها على حركة الإشعاع الكوني يُعدّ ملموسا ومهما.
وتشير الدراسة إلى أن حدود هذا الحاجز تتوافق مع مدى بثوث الراديو المستخدمة في الاتصالات العسكرية والبحرية، ما يعكس قدرة التكنولوجيا البشرية على التأثير في الفضاء دون قصد.
ويستكشف العلماء الآن إمكانيات استخدام هذه الظاهرة بشكل متعمّد لحماية المعدات الحساسة أو مناطق كاملة على الأرض من تأثيرات الطقس الفضائي الضار.
وأوضح برنامج الفضاء الأمريكي أن "بثوث VLF قد تُستخدم مستقبلا لإزالة فائض الإشعاع من البيئة القريبة من الأرض.
ويؤكد هذا الاكتشاف أهمية دراسة التأثيرات البشرية غير المقصودة في الفضاء، ويطرح سؤالا جديدا حول الدور الذي يلعبه النشاط التكنولوجي اليوم في تشكيل البيئة الفضائية حول كوكبنا، فقد تتحوّل هذه الفقاعة التي نتجت عن تقنيات الاتصال اليومية إلى وسيلة فعّالة لحماية البشرية من الإشعاع الكوني، في مفارقة علمية تلخص التقدّم البشري بين الصدفة والاكتشاف العلمي.