يستعد أكبر معرض تصميم في العالم لظهوره الأول في منطقة الشرق الأوسط. فعالية Salon Del Mobile.Milano، التي تُقام بالشراكة الإستراتيجية مع هيئة الهندسة المعمارية والتصميم بوزارة الثقافة في المملكة العربية السعودية، ستُحوّل منطقة مركز الملك عبدالله المالي إلى منصة للتصميم والحوار وتبادل الأعمال من 26 إلى 28 نوفمبر 2025. وبهذه المناسبة كان لنا حوار حصري مع مع ماريا بورو، رئيسة معرض "سالوني ديل موبيلي"، التي سلّطت الضوء على أهمية هذا الحدث في المنطقة والاتجاهات التي سنشهدها في هذا المجال.
-
يُعدّ "سالوني ديل موبيلي.ميلانو" حركة عالمية في التصميم. كيف تصفينه بكلمة واحدة، ولماذا؟
كل شيء في معرض سالوني يبدأ بلقاء، سواءً بين الأشخاص، أو الأفكار أو الثقافات. وهذا اللقاء يولد الإبداع ويتحوّل إلى أثر ملموس يربط الثقافة بالأعمال، ويؤدي إلى علاقات طويلة الأمد ومشاريع عالية الجودة. جوهر سالوني يشبه إلى حدٍ كبير الساحة الإيطالية المعاصرة فهي نابضة بالحياة وشاملة، وهذا ما سنقدمه في الرياض، في مركز الملك عبد الله المالي، من خلال فعالية "تصميم يتشكّل" حيث سيصبح التصميم تجربة يمكنكم عيشها ومشاركتها.
-
التصميم يشكّل طريقة الحركة والتواصل والاحلام التي يعيش بها الناس. ما الدور الذي يلعبه التصميم، ليس فقط في تشكيل المساحات، بل في بناء التجارب الإنسانية؟
التصميم هو طريقة للاهتمام بالآخرين وبالمكان الذي يعيشون فيه. القطعة أو الغرفة المصمّمة جيدًا لا تفرض أسلوبًا محددًا للتفكير، بل تدعو الناس لتجربة المكان بشكل طبيعي وفهمه بالطريقة التي يحبونها. التصميم المميز يجعل الحياة أسهل وأكثر دفئًا وترحيبًا. كما يبني الثقة بين الأشخاص والمكان، وبين الخيال والحياة اليومية. التصميم هو فنّ تحويل الجمال إلى شيء عملي، وجعل هذه الأشياء ممتعة وجميلة في الوقت نفسه.
-
لماذا يُعتبر هذا التوقيت مناسبًا لانطلاقة "سالوني ديل موبيلي" في الشرق الأوسط، وتحديدًا في الرياض؟
لأن الرياض هي المكان الذي تتحوّل فيه الطموحات إلى واقع، حيث يتم ابتكار أساليب الحياة المستقبلية في الوقت الحالي. رؤية 2030 جعلت الإبداع محرّكًا للتنوّع وجودة الحياة، وحوّلت المدينة إلى مساحة متكاملة للحلول الذكية والمستدامة التي تركز على الراحة، ومفهوم الضيافة الكريمة، والكفاءة العالية في التنفيذ، وهذا تحديدا المجال الذي يريد سالوني أن يثبت ريادته فيه.
هذا الوقت المثالي لدمج الانضباط الإيطالي في قطاع الصناعة مع سرعة التطور التي نشهدها في المملكة العربية السعودية، من أجل وضع معايير جديدة وبناء جسر قوي يحوّل الحوار الثقافي إلى مشاريع حقيقية وشراكات طويلة الأمد.
-
ما الإمكانات التي ترينها في المملكة العربية السعودية كمركز صاعد للتصميم؟
تتمتع المملكة العربية السعودية بإمكانات هائلة، فهناك جيل شاب متعلّم على مستوى عالمي يتطلّع إلى الإبداع لا إلى التقليد. ونشهد أيضاً استثمارات كبيرة في التعليم والمتاحف والهندسة المعمارية والإنتاج، وثقافة مادية غنية تنتظر أن يُعاد تفسيرها باستخدام أدوات معاصرة. كل هذا يجعل من المملكة العربية السعودية مختبر تصميم حقيقي، ومكان تلتقي فيه التقاليد بالتكنولوجيا لتشكّل هوية تصميم جديدة وأصيلة.
-
مع انتقال منصة إيطالية أيقونية مثل "سالوني" إلى الرياض، كيف ترين تأثير التراث السعودي على مشهد التصميم العالمي؟
وجود سالوني ديل موبيلي في الرياض ليس مجرد عرض للتصميم الإيطالي، بل فرصة للحوار الثقافي العميق. ما نراه اليوم في المملكة العربية السعودية هو تطور مذهل، فنحن لا نساهم في حفظ التراث فحسب، بل نعيد تفسيره من خلال تقديم الابتكار والاستدامة والتصاميم المعاصرة.
لقد شاهدنا كيف يُعاد تخيّل العناصر التقليدية، وكيف تتطوّر العمارة النجدية باستخدام تقنيات متقدمة. هذا المزج بين الحِرفي والتقني، بين التاريخي والمستقبلي، هو ما يجعل التصميم السعودي ذا صدى عالمي اليوم.
فالإضاءة الطبيعية، والرمزية، والإحساس العميق بالمكان، جميعها عناصر مرتبطة بشكل عميق بمفاهيم الجمال في المملكة العربية السعودية. نحن لا نعيد اكتشاف هذه المفاهيم في المنازل الخاصة فحسب، بل في العمارة العامة وقطاع الضيافة، وحتى الأماكن الدينية، حيث تتعايش التقاليد مع الاستدامة بشكل متزايد.
نؤمن في سالوني أن التصميم فعل ثقافي، والثقافة تزدهر عندما تلتقي الرؤى المختلفة. والرياض اليوم ليست مجرد منصة عرض، بل شريك في كتابة مستقبل التصميم. هذا التبادل يثري المشهد الإبداعي العالمي، ويقدّم إلهامًا جديدًا للطريقة التي نعيش ونبني ونفكر بها في المساحات، سواء في إيطاليا أو في المملكة العربية السعودية أو في أي مكان في العالم.
-
هل لفت انتباهك أي مصممين سعوديين أو حركات إبداعية بشكل خاص، وما الذي يجعل رؤيتهم فريدة على المستوى العالمي؟
أعتقد أن هناك جيلًا مميزًا من المصممين السعوديين الذين لا يكتفون باستعادة تراثهم، بل يحوّلون هذا التراث إلى شيء معاصر وذو صدى عالمي. ما يجذبني ليس الشكل فقط، بل العمق الفكري وراء أعمالهم. فهم يعيدون تفسير الهوية السعودية من خلال الأثاث والتصاميم الداخلية والمساحات الحضرية بحساسية فريدة. ويدمجون الرموز التقليدية، مثل المشربية أو الهندسة النجدية، مع الممارسات المستدامة والتقنيات الرقمية في التصنيع، وحتى السرد القصصي العاطفي. ولعل ما يجعل رؤيتهم فريدة هو أنّها مرتبطة بالجذور لكنها متطلعة نحو المستقبل في الوقت ذاته. فهم لا يقلّدون الاتجاهات التي تنشأ من الخارج، بل ينطلقون من الداخل، من المناخ والحِرف اليدوية والعادات الاجتماعية، ويحوّلون هذه القيم إلى لغات تصميم مستقبلية. في سالوني، نقدّر هذا النوع من السرد القصصي، لأن التصميم العالمي اليوم ليس مجرد عرض، بل استماع أيضًا. المشهد الإبداعي السعودي يجمع بين التراث والابتكار بانسجام وتوازن، ليقدّم رؤية متكاملة.
-
ما نصيحتك للمواهب الشابة في المناطق الناشئة، مثل دول الخليج، والتي ترغب في ترك أثر عالمي؟
للمصممين الشباب من الخليج: لا تركزوا فقط على عرض أعمالكم، بل طوروها بالاعتماد على وجهة نظر تصميمية واضحة. فالقطع التي تصممونها ليست هي المهمة في التصميم، بل لماذا تصنعونها. ابدؤوا بفهم عميق لهويتكم ولأفكاركم قبل البحث عن التقدير العالمي. تعرّفوا على الرحلة كاملة، من أول رسم لتصاميمكم حتى المنتج النهائي. كونوا فضوليين، جرّبوا أفكاركم باستمرار، استمعوا أكثر مما تتحدثون، وتعاونوا مع الآخرين. ثقافتكم وخلفيتكم هي ما يميزكم، فالعالم لا يحتاج إلى صيحات عابرة، بل إلى قصص ومواد وأشكال تعكس هويتكم الفريدة. وتذكّروا دائمًا، الاستدامة ليست خيارًا، بل هي الحرفة الجديدة، وأن المسؤولية والأخلاقيات والعناية بأدق التفاصيل هي علامات للتميز وأساس التأثير طويل الأمد.
-
أين ترين سالوني ديل موبيلي خلال السنوات العشر المقبلة، خصوصًا مع إعادة تعريف التصميم من خلال الرقمنة والاستدامة والذكاء الاصطناعي؟
أؤمن أن سالوني ديل موبيلي سيتطور من مجرد معرض دولي للتصميم إلى منصة ثقافية عالمية خلال السنوات العشر المقبلة. هذه المنصة لا تعرض المنتجات فقط، بل تفتح حوارًا حول كيفية العيش والإبداع والتفاعل مع العالم.
يدخل التصميم في الوقت الحالي مرحلة جديدة، حيث لم تعد الأدوات الرقمية والذكاء الاصطناعي والاستدامة تؤثر على الشكل والوظيفة فحسب، بل تغيّر الطريقة نفسها التي نفكّر بها في التصميم. سيستمر سالوني بدعم الحرفية التقليدية، لكنه سيمنح أيضًا مساحة للتصميم باستخدام الخوارزميات والمواد الحيوية والاقتصادات الدائرية، وللتعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي.
وستتيح هذه المساحة فرصًا إضافية للتجارب والحوار بين التخصصات وإشراك المواهب الصاعدة من الرياض إلى ساو باولو. سيظل سالوني مرتبطًا بمدينة ميلانو في جوهره، لكنه سيحول هدفه نحو العالمية ليصبح منصة تجمع التقاليد والابتكار، والتجربة الواقعية والبُعد الرقمي، والهوية المحلية والروح العالمية. والأهم، سنواصل طرح السؤال الأساسي: ما الذي نصممه، ولماذا، ولمن؟
-
ما الاتجاهات أو الفلسفات التي ستسيطر على عالم التصميم غدًا، وما القيم الدائمة التي لن تتلاشى؟
في المستقبل، سيقود التصميم مفاهيم مثل الاقتصاد الدائري وإعادة الاستخدام بطرق مبتكرة باستخدام المواد التي تدوم لفترات طويلة، إضافةً إلى زيادة التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، هناك قيم لا يمكن أن تتغير أبدًا مع مرور الوقت، وهي الحرفية والجودة واحترام فكرة المشروع واستخدام المواد الأصيلة، فضلًا عن الجمال كحقيقة قائمة بذاتها. قد تتغير أشكال التصميم وأساليبه، لكن التعاطف والهدف والسعي نحو الانسجام، ستظل عناصر جوهرية ثابتة فيه.