تم بناء تمثال الحرية كهدية من فرنسا إلى أميركا لتوطيد العلاقات، واحتفالًا بنهاية الحرب الأهلية في الولايات المتحدة. وفي احتفال أقيم في باريس يوم 4 يوليو 1884، تم كشف الستار عن التمثال المكتمل رسمياً وبشكل نهائي.
أما فكرته، فقد وُلدت للمرة الأولى العام 1865، عندما اقترح المؤرخ الفرنسي إدوارد دي لابولاي تصميم نصب تذكاري للاحتفال بالذكرى المئوية لاستقلال الولايات المتحدة المقررة العام 1876، بعدما كان مقرراً نصبه في مصر. وبحلول العام 1870، ابتكر النحات فريديريك أوغست بارتولدي رسومات تخطيطية لتمثال عملاق في هيئة امرأة ترتدي رداء فضفاضاً، وتحمل شعلة في يدها اليُمنى. وكانت فكرته بمثابة إعادة تدوير لفكرة تمثال مماثل كان قد اقترحها المؤرخ الفرنسي، يتم بها الاحتفال بافتتاح قناة السويس المصرية التي كانت حينها تحت الوصاية الإنكليزية.
كيف بني التمثال؟
تمثال الحرية، أو ما عُرف في البداية باسم "الحرية المنيرة للعالم"، هو تمثال ضخم منتصب في جزيرة ليبرتي في أعالي خليج نيويورك.
ووفق الموسوعة البريطانية، يقف تمثال الحرية على ارتفاع 305 أقدام (93 متراً) بما في ذلك قاعدته السفلية، وهو يمثل امرأة تحمل شعلة في يدها اليمنى المرتفعة، بينما تضم لوحاً يحمل تاريخ اعتماد إعلان الاستقلال 4 يوليو 1776 في ذراعها اليسرى. ويمكن الوصول إلى الشعلة، التي يبلغ قياسها 29 قدماً (8.8 متر) من طرف اللهب إلى أسفل المقبض، عبر سلم خدمي داخلي بطول 42 قدماً (12.8 متر) داخل الذراع، وقد كان الصعود لهذا المكان متاحاً للجمهور منذ العام 1886 وحتى 1916.
قصيدة "التمثال الجديد"
نقشت لوحة عند مدخل قاعدة تمثال الحرية عليها قصيدة باسم The New Colossus أو التمثال الجديد، للشاعرة الأميركية إيما لازاروس. وتمت كتابتها للمساعدة في جمع الأموال من أجل إتمام بناء العمل العملاق، وبعض ما جاء فيها:
"هلموا إلي أيها المتعبون والفقراء،
أيتها الجموع الحاشدة التواقة إلى استنشاق الحرية
أيها البائسون المهملون الذين يملؤون الشطآن
أرسلوا إليّ أولئك المشردين الذين تعصف بهم الزوابع
فأنا أرفع مصباحي عند البوابة الذهبية".
وبالعودة إلى تاريخ التمثال، فبعد أن قدَّم المؤرخ الفرنسي لابولاي اقتراحاً لتمثال الحرية في عام 1865، ساهم الفرنسيون بجمع التبرعات لبنائه، وبدأ بالفعل العمل على تصميمه في فرنسا عام 1875 تحت قيادة النحات فريدريك أوغست بارتولدي.
وتم بناء التمثال من صفائح نحاسية، تم تشكيلها يدوياً وتجميعها على إطار من أربعة دعامات فولاذية عملاقة، صممها يوجين إيمانويل فيوليت لو دوك وألكسندر جوستاف آيفل، صاحب تصميم برج إيفل الشهير في العاصمة باريس.
وقد تم تقديم التمثال للوزير الأميركي إلى فرنسا ليفي مورتون في حفل باريس.
وفي العام 1885، تم تفكيك التمثال المكتمل، الذي يبلغ ارتفاعه 151 قدماً وبوصة واحدة ويزن 225 طناً، وتم شحنه إلى مدينة نيويورك. وهناك تم الانتهاء من تصميم قاعدة التمثال، بعدما صممها المهندس المعماري الأميركي ريتشارد موريس هانت، وتم بناؤها بجزيرة بيدلو في عهد الرئيس الأميركي جروفر كليفلاند.
وعلى مر السنين، خضعت شعلة تمثال الحرية للعديد من التعديلات، بما في ذلك تحويلها إلى الطاقة الكهربائية في العام 1916 وإعادة تصميمها مع نحاس مغلف بورق الذهب في منتصف الثمانينات، عندما تم إصلاح التمثال وترميمه من قبل العمال الأميركيين والفرنسيين للاحتفال بالذكرى المئوية لنصب التمثال، التي أقيمت في يوليو 1986.
وقد أضيف الموقع إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 1984.
ما علاقة التمثال بقناة السويس المصرية؟
كان تمثال "مصر تحمل الضوء إلى آسيا"، والذي عُرف أيضاً باسم "الضوء البازغ تجاه آسيا"، هو خطة مبكرة لتصميم تمثال ضخم على الطراز الكلاسيكي الحديث.
ووفق موقع التاريخ الأميركي العربي، تم تصميم فكرة المشروع ورسمها في أواخر ستينيات القرن التاسع عشر من قبل النحات والمؤرخ الفرنسي بارتولدي، وكان المشروع عبارة عن تمثال لفلاحة مصرية أو سيدة شعبية ترتدي ثوباً فضفاضاً وتحمل شعلة في يدها لتنير المنطقة المحيطة، وكان من المقرر وضعه عند مدخل قناة السويس في مدينة بورسعيد المصرية.
التمثال الذي كان من المفترض أن يقف على ارتفاع 86 قدماً وأن ترتفع قاعدته إلى 48 قدماً، تم رفض مقترحه من قبل خديو مصر في ذلك الوقت، الخديو إسماعيل، بسبب كلفة بنائه الباهظة. وفي العام 1869 تم بناء منارة بورسعيد، التي صممها فرانسوا كينيه ومجموعة من العمال الأوروبيين بأمر من ديليسيبس، ووُضعت في الموقع نفسه.
وفكرة وضع تمثال الحرية على مصب قناة السويس الجديدة آنذاك، كانت مستوحاة من تأثُّر بارتولدي بالتماثيل الفرعونية القديمة العملاقة التي شاهدها في معبد أبوسمبل.
بعد ذلك، أجرى بارتولدي مزيداً من البحث واستمد الإلهام من تمثال رودس العملاق، وهو أحد عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، والذي كان يبلغ ارتفاعه 33 متراً لإله الشمس اليوناني هيليوس عند مدخل الميناء الرئيسي بمدينة رودس. وقد ابتكر تصميم الأنثى الفلاحة ذات الجلباب الفضفاض، ثم ما لبث أن طورها فيما بعد لتبدو بمظهر الإلهة الكلاسيكية التي أصبحت عليه في النهاية.
وفي العام 1892، افتتحت الحكومة الأميركية محطة هجرة فيدرالية في جزيرة إليس، بالقرب من جزيرة بيدلو في خليج نيويورك العلوي الواقع فيها تمثال الحرية.
وبين عامي 1892 و1954، تم استقبال نحو 12 مليون مهاجر في جزيرة إليس قبل حصولهم على إذن لدخول الولايات المتحدة، وكان هذا التمثال هو أول معلم في استقبالهم.
وحتى العام 1901، كان مجلس المنارات الأميركية هو المسؤول عن تشغيل تمثال الحرية، حيث مثلت شعلة التمثال وسيلة ملاحية للبحارة. وبعد ذلك التاريخ، تم وضعه تحت الولاية القضائية لوزارة الحرب الأمريكية نظراً لوضع فورت وود كموقع عسكري لا يزال قيد التشغيل.
وفي العام 1924، جعلت الحكومة الفيدرالية التمثال نصباً وطنياً، وتم نقله إلى رعاية دائرة الحدائق الوطنية في العام 1933.
وفي العام 1956، تم تغيير اسم جزيرة بوديلو إلى جزيرة ليبرتي. وفي العام 1965، بعد أكثر من عقد من إغلاقها باسم محطة هجرة فيدرالية، أصبحت جزيرة إليس جزءاً من نصب تمثال الحرية الوطني.