تسجل

أول ألعاب أولمبية مستدامة في لندن 2012

أول ألعاب أولمبية  مستدامة في لندن 2012
أول ألعاب أولمبية مستدامة في لندن 2012

بمعزل عن إنجازات الرياضيين والأرقام القياسية الرياضية الجديدة، تعتبر الألعاب الأولمبية مناسبة لمشاريع تطوير كبرى في المدن المضيفة التي تستقبل أعداداً كبيرة من المشاركين والزائرين.
ولعل من الصعب أن يستطيع أي بلد محاكاة ما قدمته العاصمة الصينية بمناسبة الألعاب الأولمبية لصيف 2008، وعندما اختارت اللجنة الأولمبية الدولية العاصمة البريطانية لندن لإقامة الألعاب الأولمبية عام 2012، تساءل كثير من الناس: ما الذي يمكن أن تفعله لندن حتى تتفوق على ما رأيناه في بيكين من تصميم وهندسة متميزين؟
والحقيقة أن لندن لم تدخر جهداً لتفوز بهذا الدور، فقد قدمت اقتراحات مختلفة لإقامة مباني رائعة، ووضعت خطة تعهدت بموجبها بأن تبتكر "أول ألعاب أولمبية مستدامة".
وقد رسمت الهيئة المكلفة بالإشراف على إقامة المنشآت والبنية التحتية من أجل الألعاب الأولمبية خطة أطلقت عليها اسم "خطة الاستدامة في لندن 2012" فكانت تحدياً للمعماريين الذين أرادوا المساهمة في ابتكار ما من شأنه أن يجسد روح الألعاب الأولمبية وأن يخلق سابقة ذات أثر مستمر من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والبيئية يبث روح التغيير في أسلوب إقامة الألعاب الأولمبية في العالم كله.
لقد وضعت اللجنة أهداف التصميم التي كان من بينها استخدام مواد صديقة للبيئة وإمكانية إعادة تدوير 90% من مخلفات البناء، كما سعى مصممون إلى إبداع مرافق ضخمة تقلل استخدام المواد إلى الحد الأدنى.
الاستاد الأولمبي
يستضيف هذا الاستاد النشاطات الرئيسية في الأولمبياد (حفل الافتتاح وحفل الاختتام، إضافة إلى مختلف مسابقات ألعاب القوى وألعاب الكرات). وهو أكبر المنشآت الثلاثة. وقد رأت الهيئة المسؤولة عن التصميم أن لندن ليست في حاجة إلى ملاعب جديدة قادرة على استيعاب أعداد ضخمة من المتفرجين لأن فيها عدداً من هذه الملاعب أصلاً، ومن بينها استاد ويمبلي واستاد الإمارات. لكن الاستاد الأولمبي يجب أن يكون قادراً على استقبال 80000 شخص! هذا ما جعل الهيئة تستعين بالمكتب الهندسي الإنشائي بورو هابولد لجعل الاستاد الجديد قابلاً "للتصغير" بسهولة بعد انتهاء الألعاب الأولمبية بحيث يصبح استيعابه 25000 مقعداً فقط. يقول مدير المشروع: "إن هذا التحول من 80000 إلى 25000 شيء لم يفعله أحد من قبل. وقد كان علينا أن نبتكر طريقة مستدامة غير مكلفة لفعل ذلك".
 وقد جاءت مشكلة توفر المواد لتزيد من تعقيد الموقف، وذلك بسبب تناقص إمدادات حديد البناء في ذلك الوقت، وبعد فترة من البحث، توصلت الشركة المصممة إلى حل يخفض كمية الحديد اللازم لإقامة الاستاد بنسبة 75%: إنه جعل المقاعد الدائمة (25000 مقعد)، إضافة إلى الجزء السفلي من الاستاد، تحت مستوى سطح الأرض.
 وهكذا صارت التربة نفسها، بعد تقويتها بخمسة آلاف وتد من الإسمنت المسلح بعمق 20 متراً، مادة إنشائية مناسبة للقسم الدائم من الاستاد. وبعد ذلك جرى استخدام هيكل فولاذي خفيف الوزن لحمل 112 منصة تقوم عليها المقاعد المؤقتة التي يبلغ عددها 55000 مقعد. وقد تألف هذا الهيكل الفولاذي من مقاطع جاهزة يستطيع العمال ربطها معاً ثم تفكيكها بسهولة بعد انتهاء الأولمبياد لكي يجري بيعها في السوق.
كما جرى طلاء هذه المقاطع باللون الأسود لخلق حيز يستطيع إحداث تأثير مهدئ أثناء مرور الزوار في طريقهم إلى الإثارة الكبرى داخل الملعب. وتمت تغطية الاستاد كله بسقف شبكي من الكابلات الفولاذية بلغ وزنه 496 طناً. يغطي هذا السقف ثلثي المقاعد بمساحة تبلغ 25500 متر مربع. وهو مغطى بمظلة من صفائح بلاستيكية بيضاء قابلة للتدوير.
لقد جرى التزود بالحديد والفولاذ على نحو مستدام أيضاً فقد استخدم المقاول في إنشاء السقف مقاطع فولاذية فائضة كانت معدة من أجل شركة روسية طلبتها لإنشاء خط أنابيب. وقد قام العمال بقطع هذه الأنابيب ولحامها معاً لصنع الحلقتين الداخلية والخارجية في السقف، وكذلك لصنع الأعمدة المضلعة التي تحمل هاتين الحلقتين.
والنتيجة هي الحصول على سقف جميل يغطي مساحة 160000 متر مربع باستخدام 11000 طن من الفولاذ الإنشائي. وهذا ما يعتبر أخف سقف أولمبي على الإطلاق بفارق كبير عن أي سقف آخر. وللمقارنة نقول إن استاد بيجين القومي الذي يتسع نحو 91000 متفرج كان له سقف يغطي 259000 متر مربع ويبلغ وزنه 110000 طن.
مركز الألعاب المائية
رغم أن الاستاد الأولمبي هو قلب الألعاب الأولمبية، إلا أن مركز الألعاب المائية يعتبر مدخلاً إلى جزء مهم من هذه المناسبة لأن من المتوقع أن يبلغ عدد رواد هذه الألعاب ثلثي العدد الإجمالي للزوار. وقد أراد المصممون ابتكار سقف يحدث انطباعاً قوياً ويعزز إثارة المباريات الأولمبية المائية كالغطس والسباحة والباليه المائي، إلخ.
وقد اتجهت النية إلى توفير 17500 مقعد في هذه المنشأة مما يجعلها ثاني أكبر منشأة ألعاب مائية في تاريخ الأولمبياد. لكن سعة هذه المنشأة يجب أن تكون قابلة للتخفيض حتى 2500 مقعد بعد الألعاب الأولمبية. وقد حرص المصممون على عدم وجود أي عناصر إنشائية تعيق النظر داخل هذا المبنى.
استلهم المصممون منظر تموجات المياه فأقاموا سقفاً على شكل موجة كبيرة تعكس طبيعة استخدام المنشأة. وكانت نتيجة ذلك سقفاً بمساحة 11000 متر مربع يتضمن مساحة من غير أعمدة بلغ طولها 160 متراً وعرضها 90 متراً. وعلى الرغم من الشكل المتموج المعقد لهذا السقف فقد ظلت هندسته الإنشائية بسيطة نسبياً: عشر دعامات فولاذية تراوحت أطوالها من 87 إلى 156 متراً تمتد على طول المنشأة انطلاقاً من خط مركزي على شكل يشبه المروحة.
يصل ارتفاع هذه الدعامات حتى 16 متراً في بعض الأماكن، وهي التي تمنح السقف شكله المتموج. وهناك دعامتان عرضيتان تحملان هيكل السقف الذي بلغ وزنه 3527 طناً. تستند إحدى هاتين الدعامتين إلى كتلة إسمنتية ضخمة عند الحافة الجنوبية للمنشأة، وهي كتلة قابلة للانزلاق في الاتجاه الطولي، وتستند الدعامة الثانية إلى كتلة إسمنتية ثابتة عند النهاية الجنوبية للمبنى.