في وقتٍ تتسارع فيه التحوّلات الرقمية وتتشكل خرائط جديدة لسوق العمل، تبدو الحاجة ملحّة لإعادة تعريف مفهوم تطوير المواهب. وهذا ما أكّده بوضوح مؤتمر ATD الشرق الأوسط 2025، الذي اختتم أعماله مؤخراً في أبوظبي، جامعاً أكثر من 400 من نخبة قادة الموارد البشرية وخبراء التعلّم والتطوير من حول العالم، في حدثٍ مثّل منصّة فكرية رائدة لرسم ملامح المرحلة المقبلة.
على مدى يومين في فندق "جراند حياة أبوظبي فندق وسكنات إميريتس بيرل"، تحوّل المؤتمر إلى مختبر تفاعلي للأفكار والاستراتيجيات، حيث نُظّم بالشراكة بين جمعية تطوير المواهب (ATD) العالمية وشركة QnA International، وبدعم من مكتب أبوظبي للمؤتمرات والمعارض – الشريك الثقافي والوجهة الرسمية.
تحت شعار "التجربة أولاً: عصر جديد في تطوير المواهب"، قدّم المؤتمر تجربة غنية بالتجارب والأفكار، تمحورت حول الإنسان كقلب العملية التعليمية، وعكست تحوّلاً ملحوظاً نحو دمج الذكاء الاصطناعي والبيانات الذكية في استراتيجيات تنمية الكفاءات.
الذكاء الاصطناعي: شريك لا بديل
في كلمتها، قدّمت الدكتورة وي وانغ، المديرة العالمية الأولى في ATD، قراءة معمّقة للواقع الجديد، مدعومة بأحدث أبحاث الجمعية، كاشفة عن أرقام لافتة: الذكاء الاصطناعي ساهم في رفع الإنتاجية بنسبة 59%، وزيادة كفاءة التدريب بـ51%، وتعزيز الابتكار بنسبة 47%، فيما شكّلت الترجمة الآلية وتوليد المحتوى أبرز استخداماته.
بدوره، وجّه الكاتب الكندي المتخصص في القيادة، دان بونتفراكت، رسالة حاسمة للحضور: "الذكاء الاصطناعي لن يحلّ مكانك... ما لم تتعامل معه كعدو." أما جون أتوود، المدير الأول في "جوجل"، فكشف كيف تعيد الشركة صياغة أدوار قياداتها التقنية لتقود فرقاً هجينة تجمع الإنسان والآلة، بالاعتماد على قرارات أخلاقية وتطبيقات مسؤولة.
قصص نجاح من المنطقة
لم تغب الأصوات الإقليمية عن المشهد، بل حضرت بقوة. من الكويت، استعرض أحمد الحمّاد من "بيت التمويل الكويتي" تجربة ناجحة في دعم الكفاءات الوطنية. ومن سلطنة عمان، أضاء هلال الجعدي من مجموعة "عُمران" على برامج قيادية متوافقة مع رؤية السياحة الوطنية. وفي الإمارات، قدّم بيتر غيتر من TAAEEN منهجية "التفكير التصميمي" كأداة لتطوير برامج تعليمية متعددة الأجيال.
حنان نجي، المؤسسة والرئيس التنفيذي لشركة HNI، طرحت رؤية مغايرة حين شكّكت في أن "الإيمان بالنفس" هو دائماً نقطة الانطلاق. وبرؤيتها الجريئة، دعت إلى أن يبدأ النمو الحقيقي بقرارات متزنة وطموح صادق، حتى في لحظات الشك.
من المعرفة إلى التطبيق
تميّزت جلسات المؤتمر بثراء المضمون وتنوّعه. من أبرزها، ورشة عمل سارة دالي من معهد LEORON حول منصّات تجارب التعلّم (LXPs) التي تتجاوز أنظمة إدارة التعلّم التقليدية (LMS)، إلى جانب عرض سو لام من "كوكاكولا" حول استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين مسارات التعلّم القائمة على الأداء.
وبرعاية أسماء بارزة مثل HNI وBoost وTAAEEN، وأكثر من 30 جهة مشاركة، رسّخ مؤتمر ATD الشرق الأوسط مكانته كأهم تجمّع إقليمي لتطوير الكفاءات واستشراف مستقبل التعلّم.
كلمة ختامية
"الشرق الأوسط بات اليوم لاعباً أساسياً في تشكيل مستقبل التعلّم على مستوى العالم"، بهذه الكلمات اختتمت الدكتورة وي وانغ المؤتمر، مشيرة إلى أن نسخة هذا العام عكست روحاً جماعية من الجرأة والاستكشاف والالتزام ببناء قوى عاملة لا تواكب المستقبل فحسب، بل تسهم في صناعته.