يُعد مرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD) أحد أبرز التحديات الصحية التي تصيب الجهاز التنفسي، ويصيب الملايين حول العالم، مما يجعله من الأسباب الرئيسية للمرض والوفاة. يتميز هذا المرض بتضيق دائم في مجرى الهواء، يعيق تدفق الهواء من وإلى الرئتين، وغالبا ما يتطور تدريجياً نتيجة التعرض الطويل للمواد المهيجة، كدخان التبغ أو الملوثات البيئية.
شهدت المملكة العربية السعودية ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الإصابة والوفيات الناتجة عن هذا المرض خلال العقود الأخيرة. فبحسب الإحصاءات، تجاوز عدد المصابين بحلول عام 2019 حاجز 430 ألف حالة، وهو ما يمثل زيادة لافتة قاربت 330% مقارنة بعام 1990. كما ارتفع معدل الانتشار المعياري بحسب العمر من حوالي 1,380 حالة لكل 100,000 نسمة إلى أكثر من 2,050 حالة خلال نفس الفترة، في مؤشر على تفاقم العبء الصحي المرتبط بالمرض.
وعلى صعيد الوفيات، سجّلت المملكة أكثر من ألفي حالة وفاة مرتبطة بالانسداد الرئوي المزمن في عام 2019، بزيادة تقارب 48% مقارنة بثلاثة عقود مضت. وتشير هذه الأرقام إلى أن المرض يمثل ما نسبته 1.65% من مجموع الوفيات السنوية في البلاد.
وتعود أسباب ارتفاع معدلات الإصابة إلى عدة عوامل، أبرزها التدخين بكافة أشكاله، والذي لا يزال يشكل عاملاً رئيسياً في تفاقم حالات المرض. كما يلعب تلوث الهواء دوراً محورياً، سواء في الأماكن المفتوحة أو داخل المنازل، بالإضافة إلى التعرض المهني للغبار والمواد الكيميائية في بعض بيئات العمل.
وحول ذلك قال الدكتور محمد عمر زيتوني، استشاري الأمراض الصدرية في المملكة العربية السعودية: "يعتبر التدخين من أبرز أسباب الإصابة بهذه الحالة الصحية نظراً لتسببه بتضيق القصبات الهوائية بمرور الوقت وتلف الحويصلات الهوائية والرئتين. ومن أهم أعراض المرض ضيق التنفس مع الجهد، وصفير الصدر، والسعال مع بلغم. وعند حدوث التهاب فيروسي يصاب المريض بتعب واضح ويستغرق وقتاً أطول للتعافي. ويعتقد المرضى عادة أن الأعراض مرتبطة بالتقدم بالسن، لاسيما وأن المرض أكثر شيوعاً لدى كبار السن".
وأضاف: "كان يُعتقد لفترة طويلة أن هذا المرض لا يمكن علاجه، وكنا نعتمد بشكل أساسي على موسعات القصبات وبعض الأدوية لتخفيف الأعراض فقط. لكن التطورات الحديثة أظهرت أن ما يصل إلى 40% من المرضى يعانون من التهاب مزمن في الشعب الهوائية يمكن علاجه، ما قد يقلل من فرص دخولهم إلى المستشفى ويحسن جودة حياتهم بشكل ملحوظ".
وأضافة بريتي فوتناني، مدير عام الرعاية المتخصصة في سانوفي السعودية ودول الخليج: "أطلقت سانوفي أول دواء بيولوجي لمرض الانسداد الرئوي على مستوى العالم ووفرته اليوم في المملكة العربية السعودية، انطلاقاً من حرصها على دعم الأولويات الاستراتيجية الوطنية وشراكتها مع وزارة الصحة السعودية".
وفي إطار جهود الحد من انتشار المرض، أطلقت وزارة الصحة السعودية سلسلة من المبادرات، شملت إنشاء أكثر من 70 عيادة متخصصة لمساعدة الأفراد على الإقلاع عن التدخين، وفرض قيود صارمة على التدخين في الأماكن العامة. كما تنفذ الجهات المعنية حملات توعوية دورية تستهدف تعزيز الوعي بمخاطر المرض وأهمية الوقاية، إلى جانب تدريب الكوادر الطبية على وسائل التشخيص والعلاج المبكر.
ويظل مرض الانسداد الرئوي المزمن تحدياً صحياً متزايداً، تتطلب مواجهته استراتيجيات متكاملة تشمل التثقيف الصحي، تعزيز برامج الوقاية، وتحسين خدمات الرعاية التشخيصية والعلاجية، بما يسهم في تقليل العبء الصحي وتحسين حياة المرضى في المملكة.