الرياضات البدنية التي تركز على التنحيف والتجميل تغذي الأنا الفردية لا الذات النفسية. بتقوية الأنا، يصبح الفرد شديد الحساسية وسريع العطب على الأحداث اليومية الخارجة عن سيطرته. بإشباع الأنانية، تتجاهل بالفعل ما تحتاج إليه الذات الانسانية بغية خلق ما ترغب فيه أنانيتك، لينتهي بك الأمر في النتيجة إلى العمل ضد ذاتك وصحتك، فتفقد الاتزان، مما يؤدي إلى ظهور الخلل العام في جسدك ونفسيتك.
تتوجه الـ Power Yogaنحو خلق أعلى مستويات الطاقة، والهمة، والشعور بالحرية. الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك، هي بالعمل مع ذاتك، لا ضدّها. من خلال العمل الجاد، نخلق بيئة مناسبة تساعد الفرد على شفاء نفسه. لا نفع في السعي كي نصل إلى مكان دفعونا للاعتقاد بأنه المكان الصحيح الذي يمدنا بالسعادة!
الحقيقة هي اننا كلنا مختلفون: مختلفون في الوجوه، الأشكال، القياسات، والشخصيات... من المحال أن نمتلك نفس الجسم. ما يجعلنا مختلفين، هو تجاربنا الحياتية وترتيبنا الجيني. تتحقق الصحة والحيوية بالإصغاء إلى الصوت الداخلي الذي يُعلمنا بما نحتاج. لسنا بحاجة لامتلاك "الجسم المثالي" بل نحتاج لامتلاك أجسامنا الخاصة بنا. عبر التخلي عن الحاجة للهيمنة والسيطرة، سنتمكن أخيراً من الإصغاء إلى الحكمة الفطرية التي تنتظر انتباهنا.
لقد توقفنا عن الإصغاء، وخير دليل على ذلك هو حالة بيئتنا الطبيعية الحزينة. استكبارنا وشعورنا بالتفوّق الفكري أدى بنا إلى الانذهال بأنفسنا وبقدراتنا. مجتمعاتنا العظيمة بكافة مدنها وتطوراتها التقنية، إنما هي نُصُب تجسّد استكبار الفكر وتفوّقه على كل طاقاتنا الأخرى. لكن الحقيقة هي أن فكرنا هو جزء صغير من ذكائنا. إن عطّلنا بقية طاقاتنا لمصلحة الفكر.
إن أصغينا لما تحتاجه أجسامنا (عوضاً عن تلقينها)، يمكننا حينها تغذية أنفسنا بشكل طبيعي كما يجب، لنعيش بتناغم أكثر مع عالمنا الطبيعي. حينها انشطتنا وسعينا سيعكسان هذا التناغم الطبيعي لتبدأ مسيرة الشفاء لنفوسنا ومجتمعاتنا. حينها لن تهيمن أفكارنا المستكبرة على أفعالنا؛ لأن الحكمة الباطنية هي التي ستتولى إرشادها، لنتمكن أخيراً من استخدام فكرنا كما يجب أن يُستَخدم: وهو الوسيلة التي تساعدنا على إعطاء الإطار المنطقي للحكمة الباطنية.
يعيدنا هذا إلى اليوغا. في البدء، ابتُكِرَت اليوغا لتهيّئ للسكون الداخلي بغية التعبيرعن الحكمة الباطنية. ولا يزال البعض يستخدمها لهذا الغرض. بالإضافة، اليوغا أداة أو نظام اعتمد لخلق التوازن في ذاتنا. من أجل إعادة التوازن، يجب كشف الخلل واجتثاثه؛ وهذا ممكن لكن ليس سهلاً، وهنا يستصعب الناس هذه المهمة فيبتعدون عن يوغا.
للأسف، يبدو أن كثيرين لا يريدون العمل بهدف خلق هذا التناغم في ذاتهم. عندما يسقط شيء على الأرض، تنظفه، أليس كذلك؟ لأنك لا تريد أن تعيش في الفوضى. حسن إذاً، هذا هو هدف اليوغا: إدراك الفوضى وإرشادك لمساعدتك على مباشرة أعمال التنظيف.
منذ الخطوة الأولى في اليوغا، تشعر بالتحسّن لأن منزلك قد أصبح أنظف وأقل فوضى، لتبدأ مسيرة الارتقاء نحو التناغم على الفور. إنه ليس إيماناً أعمى يعدك بالوصول إلى نيرفانا بين ليلة وضحاها بل من الممارسة الأولى نبدأ العمل على إسكات أذهاننا لنختبر السكون الكامن في داخلنا. وأيضاً نبدأ التخلص من بعض التوتر، ما يمنحنا شعوراً بالخفة، والتوازن.
قد يكون الإصغاء لأجسامنا واحتياجاتها هو أصعب ما في اليوغا. كثيراً ما نجد أنفسنا ميالين لعاداتنا القديمة في توجيه الأهداف أو الطموح ، والنقد ذاتي، والانفعالية؛ التي تجسّد جذور فقدان الاتزان، والخلل.
يبعدك طموحك، الذي تعبّر عنه أحياناً بعبارة "سأكون سعيداً عندما....،" عن المكان والزمان الراهنين. إن البحث خارج نفسك عن السعادة غير مجدٍ. فإن لم تكن سعيداً الآن، فلن تكون سعيداً طويلاً أينما ذهبت. لماذا؟ لأن السعادة تأتي من الداخل. والشعور بالكمال يأتي من قبولك اللحظة الراهنة! في ما يتعلق بإمكانية سعادتك، "فأنت حاصل عليها".
والانتقاد يقود إلى الإحساس بالنقص، وعدم الثقة بالذات، إضافة إلى انتقاد الآخرين أيضاً فهو هدام ويجعل بعضنا شوكة في حلق بعض.
أما الانفعالية فتخلق التوتر. فعدم الراحة أو الانزعاج هو جزء من الحياة. قد تحدث أشياء لا تريدها والأشياء التي تريدها لا تحدث فهذا يؤدي إلى الارتباك. لا يمكن للمرء مهما بلغت ثروته أو سلطته الهروب من الانزعاج. لكن حتى وسط انزعاجنا، نمتلك خيار: هل عليّ أن أقبل أم أرفض؟ القبول بالانزعاج هو التسليم بالواقع كما هو وتقبّله، أما رفضه فيؤدي إلى التشنج.
لكن الحقيقة لا تقاوَم، رفضها يؤدي إلى الانفعالية، فتؤدّي ردود الفعل هذه إلى عقد داخلية تظهر في الجسم بشكل تشنج. فكلما ازدادت ردود الفعل غير الواعية، خلقنا عقداً أدت بنا إلى التشنج ومشكّلة بذلك جدراناً وحواجز داخلية تمنعنا من اختبار الواقع كما هو وتفصلنا عن ذاتنا معكرةً بذلك سلامنا الداخلي.
هنا تأتي اليوغا لتساعدنا بالعمل على صحة البدن عبر إنعاش كامل الجسم وتنشيطه، وإنهاء السبات، وتقوية الروابط الضعيفة، وفك العقد. وأيضاً تعطينا حدة الذهن وتؤمن لنا البيئة الآمنة والسليمة للعمل على العقد والقضايا السلبية المتكشّفة. وهذا هو المفتاح الحقيقي في اليوغا!
لأن الجسم هو تظهير مباشر للذهن، عندما نشفي أجسامنا، تتبعها أذهاننا بشكل طبيعي والعكس صحيح.
وأخيراً وللسجل؛ مصدر هذه المعلومات ليس كتاباً، بل تجربة اليوغا. نمتلك بداخلنا جميعاً ينابيع من الحكمة والبصيرة والإبداع تنتظر منا الجهاد لتفعيلها عبر الالتزام والتمرس على درب اليوغا العتيدة.