بعد 244 سنة، أعلنت موسوعة "بريتانيكا" توقفها عن إصدار نسختها المطبوعة والتركيز على موقعها الالكتروني والنسخة المدرسية. ففي مقابلة مع صحيفة "النيويورك تايمس"، أقر رئيس شركة "إنسايكلوبيديا بريتانيكا" خورخي كوز ان الخطوة "هي طقس العبور في العصر الجديد. سيشعر البعض بالحزن والنوستالجيا، لكن لدينا أداة أفضل حالياً. الموقع الالكتروني يحدَّث باستمرار، وهو أكثر توسعاً ويوفر وسائط متعددة".
وطبعت النسخة الأولى من "بريتانيكا" في العاصمة الاسكوتلندية ادنبره في عام 1768، علماً انها الموسوعة الانكليزية الوحيدة التي تحدَّث كل سنتين منذ عام 1933. ووصلت مبيعاتها الى ذروتها في عام 1990 مع 120 ألف نسخة، وهو رقم تراجع الى 40 ألفاً بعد ست سنوات. ومع وداع النسخة المطبوعة، تترك "بريتانيكا" لقرائها 32 جزءاً من موسوعة 2010، تزن 58,5 كيلوغراماً ويبلغ سعرها 1395 دولاراً.
ورغم تشديد كوز على ان القرار "لا يرتبط في شكل أو في آخر بـ (الموسوعة المفتوحة) "ويكيبيديا" أو "غوغل"، أشار الى ان "بريتانيكا" تتمتع بهامش متفوق على "نظيرتها" الالكترونية "يتمثل بمصادرها المرموقة ومقالاتها المحررة بدقة والثقة التي يحظى بها الاسم. بريتانيكا ستكون أصغر حجماً. لا يمكننا التعامل مع كل شخصية من الرسوم المتحركة أو الحياة العاطفية لكل المشاهير. لكننا في حاجة الى توفير بديل تكون فيه الحقائق ذات أهمية. لا يمكن "بريتانيكا" ان تكون كبيرة (بحجم ويكيبيديا)، لكنها ستكون دائماً صحيحة".
لكن في دراسة نشرتها العام 2005 مجلة "نايتشر"، طرحت مسألة "تفوق الدقة" بين "ويكيبيديا" و"بريتانيكا"، فتبين بنتيجة تحليل 42 مقالة متنافسة ان معدل 4 أخطاء سجل في "ويكيبيديا"، في مقابل ثلاثة في "بريتانيكا"، علماً ان الأخيرة ردت في حينه أن الدراسة "غير جديرة بالقراءة".
وكتبت "بريتانيكا" على مدونتها الالكترونية: "طيلة 244 سنة، احتلت الأجزاء السميكة للموسوعة مكانها على رفوف المنازل والمكتبات والشركات أينما كانت، مصدراً للتنوير والراحة لمستخدميها. كان الأمر كذلك دائماً، سنة تلو أخرى منذ عام 1768. كل يوم، لكن ليس الى الأبد. اليوم أعلنا اننا سنوقف النسخة المطبوعة من 32 جزءاً عندما تنفد الجردة الحالية. حدث مفصلي؟ في بعض الجوانب، نعم، لكن الأكيد انها مجرد نقطة من المعطيات التاريخية في تطور المعرفة الانسانية. الموسوعة ستستمر بصيغ رقمية أكبر وأكثر حيوية، وناشروها معنيون بتوفير المعرفة والتعلم في العصر الرقمي بطرق جديدة تتخطى عمل المرجع".
وتعد "بريتانيكا" موسوعة "مترفة"، اذ ان مقتنيها غالباً ما يكونون أكاديميين أو مراكز بحث ومكتبات وسفارات دول، علماً انها باعت 8 آلاف نسخة من طبعة 2010، واحتفظت بالـ 4 آلاف المتبقية في مستودعات خاصة الى حين بيعها عبر الموقع الالكتروني. وسيبلغ سعر الاشتراك السنوي "الالكتروني" 70 دولاراً، علماً ان عدد المشتركين الحاليين يناهز 500 ألف شخص. وتوفر الموسوعة إطلاعاً كاملاً على أرشيفها وشرائط الفيديو والوثائق الأصلية، وستتوافر مجاناً هذا الأسبوع فقط لكل الراغبين في الاطلاع عليها.
وأكد عميد كلية الاعلام وعلوم المكتبات في جامعة ولاية كارولينا الشمالية غاري مارتشيونيني ان تراجع الموسوعات المطبوعة "ظاهرة مستمرة لا ترحم. ثمة معلومات أكثر شمولاً متوافرة على الانترنت. ما توفره الموسوعة هو وصف لظاهرة أو غرض كتبه واحد من أهم الأكاديميين في العالم، لكنك في حصيلة الأمر تتطلع على وجهة نظر واحدة. كل ما يستحق النقاش في الحياة يتطلب أكثر من رأي".